فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (103):

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انقضى بيان هذا الإجمال الخالع لقلوب الرجال، أتبعه الكشف عما كان بعد قصة شعيب عليه السلام من قصة صهره موسى عليه السلام مع فرعون وقومه، وهي كالدليل على آيات الإجمال كما كانت القصص الماضية كالدليل على ما في أول السورة من الإجمال، فإن قصة فرعون مشتملة على الأخذ بالبأساء والضراء، ثم الإنعام بالرخاء والسراء، ثم الأخذ بغتة بسبب شدة الوقوف مع الضلال بعد الكشف الشافي والبيان لما على قلوبهم من الطبع وما قادت إليه الحظوظ من الفسق، وكأنه فصلها عن القصص الماضية تنويهًا بذكرها وتنبيهًا على عليّ قدرها، لأن معجزات صاحبها من معجزات من كان قبله، وجهل من عالجهم كان أعظم وأفحش من جهل تلك الأمم، ولذلك عطفها بأداة البعد مع قرب زمنها من التي قبلها إشارة إلى بعد رتبتها بما فيها من العجائب وما اشتملت عليه من الرغائب والغرائب، ولذلك مد لها الميدان وأطلق في سياقها للجواد العنان فقال: {ثم بعثنا} أي على عظمتنا {من بعدهم} أي الرسل المذكورين والأمم المهلكين {موسى بآياتنا} أي التي يحق لها العظمة بإضافتها إلينا فثبت بها النبوة {إلى فرعون} هو علم جنس لملوك مصر ككسرى لملوك فارس وقيصر لملوك الروم، وكان اسم فرعون موسى عليه السلام قابوس، وقيل: الوليد بن مصعب ابن الريان {وملئه} أي عظماء قومه، وخصمهم لأنهم إذا أذعنوا أذعن من دونهم، فكأنهم المقصودون والإرسال إليهم إرسال إلى الكل.
ولما سببت لهم الظلم الظلم قال: {فظلموا} أي وقعوا في مثل الظلام حتى وضعوا الأشياء في غير مواضعها فوضعوا الإنكار موضع الإقرار {بها} أي بسبب رؤيتها خوفًا على رئاستهم ومملكتهم الفانية أن تخرج من أيديهم؛ ولما كان ذلك من أعجب العجب، وهو أن سبب العدل يكون سبب الظلم، وكان هذا الظلم أعظم الفساد، سبب عنه قوله معجبًا: {فانظر} أي بعين البصيرة {كيف كان عاقبة} أي آخر أمر {المفسدين} فلخص في هذه الآية على وجازتها جميع قصتهم على طولها، وقدم ذكر الآيات اهتمامًا بها ولأنها الدليل على صحة دعوى البعث. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{حقيق على} بالتشديد: نافع. الباقون: بالتخفيف {معي} بفتح الياء حيث كان: حفص {أرجه} بإسكان هاء الضمير: حمزة وعاصم غير المفضل {أرجه} بكسر الجيم والهاء من غير إشباع يزيد وقالون {أرجهي} بالإشباع: نافع غير قالون وعلي وعباس وخلف المفضل {أرجئه} بالهمزة: أبو عمرو غير عباس وسهل ويعقوب وابن الأخرم عن ابن ذكوان وهشام غير الحلواني {أرجئهو} بالإشباع: ابن كثير والحلواني عن هشام {أرجئه} بكسر الهاء: ابن مجاهد والنقاش عن ابن ذكوان {سحار} بالمبالغة: حمزة وعلي وخلف وكذلك في يونس. وقرأ قتيبة ونصير والدوري وحمزة في رواية ابن سعدان وأبي عمرو بالإمالة. البقون {ساحر}. {أن لنا} بحذف همزة الاستفهام: ابن كثير وأبو جعفر ونافع وحفص. {أئن لنا} بإثبات همزة الاستفهام: عاصم غير حفص وحمزة وعلي وخلف وابن عامر وهشام. يدخل بينهما مدة {آين لنا} المدة وقلب الهمزة ياء: أبو عمرو وزيد. {أين لنا} بالياء ولا مدة: سهل ويعقوب غير زيد {تلقف} بالتخفيف حيث كان: حفص والمفضل {تلقف} بالتشديد وإدغام التاء الأولى في الثانية: البزي وابن فليح. الباقون: بتشديد القاف وحذف تاء التفعل. {آمنتم} بهمزة واحدة ممدودة: حفص. {أأمنتم} بزيادة همزة الاستفهام: حمزة وعلي وخلف وعاصم سوى حفص. {آمنتم} بالمد وتليين الهمزة: أبو جعفر ونافع وابن عامر وأبو عمرو وسهل ويعقوب وابن كثير غير الهاشمي وابن مجاهد وأبي عون عن قنبل {فرعون وآمنتم} بالواو الخالصة: الهاشمي عن قنبل {وآمنتم} بالواو وتحقيق الهمزة الأولى: ابن مجاهد وأبو عون والهرندي عن قنبل.

.الوقوف:

{فظلموا بها} ج للفصل بين الخبر والطلب مع العطف بالفاء {المفسدين} o {العالمين} o ج وقف لمن قرأ {حقيق عليّ} بالتشديد أي واجب عليّ، ومن قرأه مخففًا جاز له الوصل على جعل {حقيق} وصف الرسول و{على} بمعنى الباء {إلا الحق} ط {بني إسرائيل} ط {الصادقين} o {مبين} o للفصل بين الجملتين والوصل أجود للجمع بين الحجتين {للناظرين} o {عليم} o لا لأن ما بعده وصف لساحر {من أرضكم} ج لاحتمال أن ما بعده من تمام قول الملأ لفرعون وحده، والجمع للتعظيم أوله ولعظمائه حضرته، وأن يكون ابتداء جواب من فرعون أي فماذا تشيرون {قاهرون} o {حاشرين} o لا لأن ما بعده جواب الأمر {عليم} o {الغالبين} o {المقربين} o {الملقين} o {ألقوا} ج للعطف {عظيم} o {عصاك} ط لحق المحذوف لأن التقدير فألقاها فإذا هي {ما يأفكون} o {وكذلك يعملون} o {صاغرين} o ج لمكان حروف العطف {ساجدين} o ج لاحتمال كون {قالوا} حالًا بإضمار قد {العالمين} o لا للبدر {هرون} o {آذن لكم} ج للابتداء مع اتحاد القائل: {أهلها} ج لأن سوف للتهديد مع العطف {تعلمون} o {أجمعين} o {منقلبون} o للآية مع اتحاد المقول: {جاءتنا} ط للعدول عن المحاباة إلى المناجاة {المسلمين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو القصة السادسة من القصص التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة، وذكر في هذه القصة من الشرح والتفصيل ما لم يذكر في سائر القصص، لأجل أن معجزات موسى كانت أقوى من معجزات سائر الأنبياء، وجهل قومه كان أعظم وأفحش من جهل سائر الأقوام.
واعلم أن الكناية في قوله: {مّن بَعْدِهِمْ} يجوز أن تعود إلى الأنبياء الذين جرى ذكرهم، ويجوز أن تعود إلى الأمم الذين تقدم ذكرهم بإهلاكهم وقوله: {بئاياتنا} فيه مباحث.
البحث الأول: هذه الآية تدل على أن النبي لابد له من آية ومعجزة بها يمتاز عن غيره، إذ لو لم يكن مختصًا بهذه الآية لم يكن قبول قوله أولى من قبول قول غيره.
والبحث الثاني: هذه الآية تدل على أنه تعالى آتاه آيات كثيرة، ومعجزات كثيرة.
والبحث الثالث: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أول آياته العصا ثم اليد، ضرب بالعصا باب فرعون، ففزع منها فشاب رأسه، فاستحيا فخضب بالسواد، فهو أول من خضب.
قال: وآخر الآيات الطمس.
قال: وللعصا فوائد كثيرة منها ما هو مذكور في القرآن كقوله: {قَالَ هي عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِى وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أُخرى} [طه: 18] وذكر الله من تلك المآرب في القرآن قوله: {اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانفجرت مِنْهُ اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا} [البقرة: 60] وذكر ابن عباس أشياء أخرى منها: أنه كان يضرب الأرض بها فتنبت، ومنها: أنه كانت تحارب اللصوص والسباع التي كانت تقصد غنمه، ومنها: أنها كانت تشتعل في الليل كاشتعال الشمعة، ومنها: أنها كانت تصير كالحبل الطويل فينزح به الماء من البئر العميقة.
واعلم أن الفوائد المذكورة في القرآن معلومة، فأما الأمور التي هي غير مذكورة في القرآن فكل ما ورد به خبر صحيح فهو مقبول وما لا فلا، وقوله أنه كان يضرب بها الأرض فتخرج النبات ضعيف، لأن القرآن يدل على أن موسى عليه السلام، كان يفزع إلى العصا في الماء الخارج من الحجر، وما كان يفزع إليها في طلب الطعام.
أما قوله: {فَظَلَمُواْ بِهَا} أي فظلموا بالآيات التي جاءتهم، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه فلما كانت تلك الآيات قاهرة ظاهرة، ثم إنهم كفروا بها فوضعوا الإنكار في موضع الإقرار والكفر في موضع الإيمان، كان ذلك ظلمًا منهم على تلك الآيات.
ثم قال: {فانظر} أي بعين عقلك {كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} وكيف فعلنا بهم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى} يعني أرسلنا من بعد الرسل الذين ذكرهم في هذه السورة.
ويقال: ثم بعثنا من بعد هلاكهم موسى وهو موسى بن عمران {بآياتنا} يعني: اليد البيضاء والعصا {إلى فِرْعَوْنَ} وهو ملك مصر واسمه الوليد بن مصعب.
وروي عن وهب بن منبه أنه قال: كان فرعون في وقت يوسف فعاش إلى وقت موسى عليهما السلام.
فبعث الله تعالى إليه موسى ليأخذ عليه الحجة.
وأنكر عليه ذلك عامة المفسرين.
وقالوا هو كان غيره، وكان جبارًا، ظهر بمصر واستولى عليها، وأرسل الله تعالى إليه موسى فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى بآياتنا إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيِهِ} يعني: جنوده وأتباعه {فَظَلَمُواْ بِهَا} يعني: فجحدوا بالآيات {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} يعني: كيف صار آخر أمر المشركين.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أول الآيات العصا فضرب بها موسى باب فرعون، ففزع منها فرعون، فشاب رأسه، فاستحيا فخضب بالسواد، فأول من خضب بالسواد فرعون.
قال ابن عباس: كان طول العصا عشرة أذرع على طول موسى، وكانت من آس الجنة يضرب بها الأرض فتخرج النبات، فلما دخل عليه مع هارون. اهـ.

.قال ابن عطية:

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)}.
الضمير في قوله: {من بعدهم} عائد على الأنبياء المتقدم ذكرهم وعلى أممهم، والآيات في هذه الآية عام في التسع وغيرها، وقوله: {فظلموا بها} المعنى فظلموا أنفسهم فيها وبسببها وظلموا أيضًا مظهرها، ومتبعي مظهرها وقيل لما نزلت ظلموا منزلة كفروا وجحدوا عديت بالباء كما قال: [الفرزدق]
قد قتل الله زيادًا عني

فأنزل قتل منزلة صرف، ثم حذر الله من عاقبة المفسدين الظالمين وجعلهم مثالًا يتوعد به كفرة عصر النبي صلى الله عليه وسلم.
و{فرعون} اسم كل ملك لمصر في ذلك الزمان فخاطبه موسى بأعظم أسمائه وأحبها إليه إذ كان من الفراعنة كالنمارذة في يونان وقيصر في الروم وكسرى في فارس والنجاشي في الحبشة، وروي أن موسى بن عمران بن فاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، وروي أن اسم فرعون موسى عليه السلام الوليد بن مصعب، وقيل هو فرعون يوسف وأنه عمر نيفًا وأربعمائة سنة.
قال القاضي أبو محمد: ومن قال إن يوسف المبعوث الذي أشار إليه موسى في قوله: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات} [غافر: 34] هو غير يوسف الصديق فليس يحتاج إلى نظر، ومن قال إنه يوسف الصديق فيعارضه ما يظهر من قصة يوسف، وذلك أنه ملك مصر بعد عزيزها، فكيف يستقيم أن يعيش عزيزها إلى مدة موسى، فينفصل أن العزيز ليس بفرعون الملك إنما كان حاجبًا له. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين}.
لما قصّ الله تعالى على نبيه أخبار نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وما آل إليه أمر قومهم وكان هؤلاء لم يبقَ منهم أحد أتبع بقصص موسى وفرعون وبني إسرائيل إذ كانت معجزاته من أعظم المعجزات وأمته من أكثر الأمم تكذيبًا وتعنتًا واقتراحًا وجهلًا وكان قد بقي من اتباعه عالم وهم اليهود فقصّ الله علينا قصصهم لنعتبر ونتعظ وننزجر عن أن نتشبه بهم، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنّ بين موسى وشعيب عليهما السلام مصاهرة كما حكى الله في كتابه ونسب لكونهما من نسل إبراهيم ولما استفتح قصة نوح ب {أرسلنا} بنون العظمة اتبع ذلك قصة موسى فقال: {ثم بعثنا} والضمير في {من بعدهم} عائد على الرسل من قوله و{لقد جاءتهم رسلهم بالبينات} أو للأمم السابقة والآيات الحجج التي آتاه الله على قومه أو الآيات التسع أو التوراة أقوال وتعدية فظلموا بالباء إما على سبيل التضمين بمعنى كفروا بها ألا ترى إلى قوله: {إن الشّرك لظلم عظيم} وإما أن تكون الباء سببية أي ظلموا أنفسهم بسببها أو الناس حيث صدوهم عن الإيمان أو الرسول فقالوا سحر وتمويه أقوال، وقال الأصم: ظلموا تلك النعم التي آتاهم الله بأن استعانوا بها على معصية الله تعالى فانظر أيها السامع ما آل إليه أمر المفسدين الظالمين جعلهم مثالًا توعد به كفرة عصر الرسول عليه السلام. اهـ.